25/04/2024
الأخبار السياسية | الأخبار الأمنية | أخبار المحافظات | الأخبار العربية | الأخبار العالمية | أقوال الصحف العراقية | المقالات | تحليلات سياسية | تحقيقات | استطلاعات
عالم الرياضة | حوار خاص | الأخبار الثقافية والفنية | التقارير | معالم سياحية | المواطن والمسؤول | عالم المرأة | تراث وذاكرة | دراسات | الأخبار الاقتصادية
واحة الشعر | علوم و تكنولوجيا | كاريكاتير
المجبرجية
المجبرجية
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم

تحقيق - فؤاد العبودي 

 

هذا التحقيق كان ولادة المصادفة المحظة فقد قادتني اليه اصابتي بتمزق الانسجة لساقي الايسر وقبل توجهي الى اي طبيب نصحني احد الاصدقاء ان دكاكين الاطباء في شارع كلية الآداب جامعة بغداد هم وحدهم  الذين سيكون الطبيب المداوي لحالتك .

استغربت الامر اول مرة قائلا لصديقي .

دكاكين اطباء ماذا تقول يارجل ولماذا ليست عيادات

ابتسم الصديق وهون على استغرابي من الموضوع معقبا .. اي دكاكين لانهم اطباء بشهادات شعبية وشهاداتهم هي خبرتهم الطويلة في هذا  المجال ...

احاطني الصمت حيال ماسمعت وقررت خوض الامتحان عفوا المغامرة واعتقد ان الكلمتان تعطيان معنى واحدا ساغامر بساقي مقابل الصدق او الخديعة والامتحان لاكتشاف فاعليه وخبرة المجبرجية وهذا هو الاسم الذي يطلقه الناس عليهم .

وابتدأ المشوار

فعلا وصلت الى باب المعظم وانا اجر قدمي المصابة بتثاقل واضفت للحالة نوعا من التألم كما طفل يخشى من زرق ابرة ...

دخلت الى مكتب " الحويشاوي " وهو سليل عائلة امتهنت  هذا الضرب من العلاج  ..... اللافتة المرفوعة  داخل المحل تعطيك تصورا عن مايقوم به الرجل وبادرني بقوله " انزع " نظرت الى صديقي الذي يجلس بجانبي ورأيته  يضحك ثم قلت للرجل المعالج " شنو ...شنو" انزع وبدى على وجهة شبح ابتسامة قال :

" ارني اصابتك " وكيف حدثت وكم مضى عليها .

هنا تنفست الصعداء .. فرفعت بنطالي  عن ساقي نحو مفصل الركبة اخذها بين يديه وراح يأمرني بخبرة طبيب  رغم انفي " مد ساقك " ثم ارجعها وتحسس بيديه الكريمتين موضع الاصابة والالم وضغط على المنطقة المصابة بعد ذلك ... قال :

عندك تمزق بالانسجة ومادمت تمشي  ليس هناك خطر او مضاعفات وبطريقة اقرب الى التوسل منها الى الرجاء قلت لكن ياسيدي .. تؤلمني ...

اجل هذا شيء طبيعي

عاد الرجل يسألني :

هل كانت نتيجة سقطة من علو او اصطدمت بشيء صلب ...او ... او

رددت عليه بأيمان مغلظ :

لا والله العظيم ... ركضت قليلا ... وراء مركبة فأحسست رقاقة  في عظام الساق .

لاعليك حالتك تتطلب الراحة وعدم الحركة لأسبوعين تمكث خلالها في  المنزل ..

لكنني صحفي ومن الصعوبة الامتثال لذلك ومطالب  بواجبات علي تنفيذها :

لم يعرني اي اهتمام حتى استدرك واجاب :

علاجك هذا .. لا اشعة .. ولا مراجعات .... التمزق في ساقك يتطلب الراحة وعدم الحركة

بمجال الطب الشعبي " المجبرجية " ثمة ثلاثة اخوة استقروا في منطقة باب المعظم هم قاسم وحسن وخليل من عائلة الحويشاوي استطاعوا بخبرتهم استقطاب الناس اليهم لمعالجة ذراع مكسورة وقدم اصابعها تشكو من التصلب الفجائي وغيرها من الامور الداخلة في هذا النطاق.

 هنا دخل شاب في الثلاثين من عمره يمشي على عكاز حيث  جلس امام حفيد الحاج حسن الحويشاوي  الذي كان  في السادسة والخمسين من عمره والعدة التي امامه " مقص ... شاش .. قطن .. ومادة التجبيس " والواح صغيرة من الخشب بقياس ساق .....سألته

هذه فقط عدتكم في العلاج

-          نعم ولا نحتاج الى اكثر من هذه الا في بعض الاستثناءات ...

استثناءات حتى عملية التجبير

-          طبعا ... نقوم احيانا مثلا باعادة عظم منزلق الى مكانه الطبيعي في عملية صراع معقدة مع المصاب بين الالم الذي  يصدر منه وبين قدرتنا وتواصلنا  في اتمام العملية .

ويدعوني سؤال اخر وجهته للرجل المجبرجي :

هل انتم مجازون من وزارة الصحة .. او على الثقة ...؟

-          خبرتنا التي اكتسبناها اب عن جد هي بمثابة الشهادة والعلاج الصحيح الذي يلقاه من يراجعنا تؤكد على مصداقية ما نقوم به ... بل على العكس ان  كثيرا من المصابين الذين قصدونا .. وقمنا  بواجب علاجهم  جاؤوا بعد شفائهم يقدمون الشكر والهدايا وهذه " نعمة من رب العالمين ... الحمد لله  والشكر على كل حال "

منذ اربعين عاما تذكرت ماحدث لي حينما تعرضت لمخاشنة من احد اعضاء فريق كرة القدم الخصم ونحن نخوض مباراة محلية في منطقة الشيخ معروف في ساحة " ابو الطيارة " وسقطت صارخا .. حتى نقلني اقراني من فريقي الى البيت .

في اليوم التالي اصطحبتني امي الى " مجبرجي " في سوق حمادة وكان ايضا شيخ لجامع وانتظرت حتى انتهائه من صلاته ... ظهيرة يوم قائض .. بينما كنت وطوال الوقت قلقا وتدور في مخيلتي شتى الصور المرعبة ... منها الشيخ الصارم .. وقد نظر الي وهو مقطب الجبين .. وتصورت من شدة ملامح وجهة " انه يكز على اسنانه " وينتظر فرصة جلوسي بين يديه ليريني  انواع العذاب ...وبالفعل قدمتني اليه والدتي كقربان لكرة القدم ..

وما ان قال لا مي " امسكيه " اسودت الدنيا بعيني ولم استطع الفرار .. لانني اصبحت بين كماشتي يدي امي وقوة الشيخ المجبرجي المهم سحب ساقي بقوة ليعيد العظم وصراخي وصل الى " مرقد ست زبيدة " وبقيت اربعين يوما لا استطيع الحراك خلالها حتى ليلة " المحيه " اعطتني  امي الزنبور والذي يشابه المفرقعات في الوقت الحالي .. مشدودا على خشبة صغيرة وانا جالس امام المنزل ..

تذكرت عمق مهنة  المجبرجية وانا اراجع الحويشاوي الذي بقى وافراد عائلته من الاحفاد حاليا اوفياء على مهنتهم وموضع ثقة الناس ...

في سنوات الاربعينات وربما قبلها شاعت مهنة المجبرجية وانتشرت ليس في بغداد وحدها بل حتى في المحافظات وكانت العبارة المتداولة هي " المجبرجي يعيد العظام الى مكانها " .. وبالتاكيد هذا لايعني  ان الطب الاكاديمي غير مؤهل امام حالات الكسور في المستشفيات والعيادات الخاصة لكن ثبت في احيان ان المجبرجي وبطرقه التقليدية  المتبعة من قبل تكاد تكون اسرع بالشفاء للمصابين .

والعجيب ان شيوع وانتشار مكاتب الاعشاب او مايسمى بالطب الشعبي .... وكذلك دكاكين " المجبرجية " هي ايضا قد انتشرت في عصر الكومبيوتر ولا ادري ... هل ان الناس ونجاح حالات معينة بالتطبيب الشعبي قد ادى الى هذا الانتشار لانواع الطب الشعبي .

المواطن عبد الخالق حسين العامري يقول حدث ان سقطت مرة من على سلم المنزل وكسرت ذراعي ... وبدلا من ذهابي الى طبيب العظام والكسور توجهت الى المجبرجي في منطقتنا بالوشاش وبالفعل قام الرجل بوضع لوحتين من الخشب الساند لعظام ساعدي وبعد فترة من مراجعتي له ازال اللوحتين وقال لي بمزحه :

" تتلاوه" اي نتصارع ... ووجدت انني اصبحت بخير وعافيه .

وهناك اسباب اخرى وراء مراجعة الناس للمجبرجية وهي الاجور العالية التي يستوفيها الاطباء في عياداتهم الخاصة وطول فترة العلاج ... فيما تكون اسعار المجبرجي فيها نوعا من التساهل قد لاتتعدى الـ10000 الاف دينار في اكثر الاحوال واصعبها .

كلا الحالتان مطلوبتان في عراق التغيير ... الطب الرسمي الاكاديمي والطب الشعبي ... ومن المفارقات ان الناس بدأوا يهيمون حبا بالفريق الثاني لانه اصلا ينبع من الطبيعة حسب اعتقاهم ... وان الاعشاب فيعا دواء وشفاء وكذلك المجبرجي فهو اليوم طبيب غير متوج يعتلي منصة العلاج الشافي للكسور و " الرضات " واذا كنت تخشاهم عزيزي القارئ فحاذري من التزحلق ... والركض وراء الامانة لان الاول يؤدي بك الى مالاتحمد عقباه ... اما الثاني فيقول احدهم ان الامنيات  صخور صماء... كما علمتنا حكومة " اللملوم "

رابط المحتـوى
http://www.ina-iraq.net/content.php?id=38138
عدد المشـاهدات 2319   تاريخ الإضافـة 23/06/2016 - 12:17   آخـر تحديـث 25/04/2024 - 07:58   رقم المحتـوى 38138
 
الرئيسية
عن الوكالة
أعلن معنا
خريطة الموقع
إتصل بنا