شيخ المخرجين وعرّاب السينما في العراق(محمد شكري جميل)
أضيف بواسـطة

 

لنا فخر حفظ وأرشفة ما أنجر هذا المبدع الكبير في مجال عطاءاته للفن السابع من خلال الصورة والصوت

 

وكالة الانباء العراقية المستقلة ....

  مرّت الساعات الثلاث سراعا في حضرة المخرج السينمائي الكبير(محمد شكري جميل) بعد أن حطّت جريدة (العراقية) في كنف وفء هذا البيت المترع بكل حوافل الفن والثقافة ومساند حيث أثر هيبة الفنانة الكبيرة(فاطمة الربيعي) سيّدة هذا البيت و الزوجة المخلصة لشيخ المخرجين وعرّاب السينما في العراق بلا منازع،عبر مهام ومساعي جهود (المؤسسة العراقية للصحافة والنشر) في فتح نوافذها مشرعة لكل من يزيد من مساحات الضوء وفضاءات الإبداع في حياتنا الفنية والمعرفية والحضارية وما تكريم هذه المؤسسة لواحد من أكبر و أغزر الأسماء السينمائية،تلك التي أعطت وأغدقت في مثمرات وعيها وصدق تواصلها مع السينما منذ إندلاع أولى شرارات مواهبها وتوالي دخول محراب هذا الفن دراسة و ممارسة-موقفا ونتاجا- ،تعمقّا وإنتماءا متجذّرا من أجل خدمة حياة تستحق العيش بكرامة وحيوية وجمال،كالتي سعى وضحى(محمد شكري جميل)،وحتى إجراءات هذا الإحتفاء الحميمي ،الطبيعي والتلقائي الذي تقدّمت به المؤسسة العراقية متمثلة بمديرها العام رئيس تحرير جريدة العراقيّة(د. محمد مهدي عصّاد البدري) الذي قال في أولى لحظات ذلك اللقاء الشيّق والعميق؛(لنا فخر حفظ وأرشفة ما أنجر هذا المبدع الكبير في مجال عطاءاته للفن السابع، وما تركه من آثار فلمية وسينمائية سواء على صعيد الأعمال الوثائقية أم على صعيد منجزات ملاحمه الدرامية في مجال الأفلام الطويلة ستظل حاضرة ومؤثرة في ذائقة المشاهد العراقي والعربي،فضلا عن مبذولات جهوده الإبداعية في مجال الأعمال الدرامية التي قدمها للتلفزيون)، ومن جانب آخر تسعى الموسسة  في واحدة من أنبل مساعيها لانجاز سلسلة من الحوارات مع هذا الشاهد الحي والحقيقي، بالصورة والصوت، سعيا منها وتنويرا و تأطيرا بغية حفظ  وخزن وصيانة أرث  طروحاته الفكرية والفلسفيّة والمعرفية إلى جانب ما اعطى في مجال تخصصه الجمالي و التأريخي عبر عيونه وثواثبات عقله وضميره الإنساني في مجاله الأرحب(السينما) التي أقترنت بأسم هذا المخرج الأكثر حظا وحضورا و إنتاجا في تأريخ السينما في العراق.

العرّاب  في كتاب

    بجهد حثيث وواضح  من لدن الناقد والمؤرخ  السينمائي الحصيف( مهدي عباس)،أصبح كتابه المعنون ( محمد شكري جميل... عرّاب السينما العراقية )جاهزا للطبع على نفقة دائرة السينما والمسرح ومن المؤمل طباعته قريبا جدا، من هنا سيكون هذا الكتاب الرصين الحاوي والمتابع لمنجزات(جميل) مدخلاً ومرجعاً معرفياً ومعلوماتياً في محافل هذا الإحتفاء وتقريباً(ميكروسكوبيّا) منجزاته، مورجئيّن،مؤجلين  ما دار من محاور معمّقة في مناسبة سانحة، تتسع لها صفحات (العراقيّة) من تلك التي أجراها محررّ هذه الصفحة،من أجل عدّها وضمها لسلسلة الحلقات(بالصورة والصوت) التي تنوي إنتاجها موسستنا الساعية للإحتفاء والتوثيق لسير ومنجزات مبدعينا في كافة مجالات الحياة بسعة مدياتها و أفاقها المتنوعة، سبق الكتاب كلمة للسيّد مدير السينما المخرج(قحطان عبدالجليل) جاءت بمثابة تقديم قال في أشاد فيه بعراقة وعمق وإستثناء ما قدم(محمد شكري جميل) من أعمال أتسقت ومفاهيمه الجمالية في إثراء المشهد وبواعث الفكرة لل(ثيمة) التي يحاول طرحها وتبنيها وتحويلها إلى صورة ناطقة فصيحة،معبرة وقادرة على تعضيد معادلة العلاقة ما بينه كمخرج مفكر وفنان عميق وما بين المشاهد الذي يسعى لتحريك هواجسه وجس قناعاته بروح مؤثرة سانحة وبسيطة،وهنا(والكلام لعبدالحليل) تكمن عبقرية هذا المخرج اللماح المتواصل مع الحياة بروح مفتوحة وقلب واسع.

قدم (محمد شكري جميل) الذي هو أول مخرج عراقي يقوم بإدخال الاسلوب الوثائقي في السينما الروائيّة كما يذكر الناقد (مهدي عباس) في مقدمه كتابه،ويضيف ضمن حصيلة ما متوفر من معلومات و أحصائيات موثقة ومحفوظة ان(جميل) قدّم للسينما في العراق (13)فيلما روائيا طويلا وفلمان قصيران و(45) فيلما وثائقيا و أربعة مسلسلات وكتاب ومونتاج فلمين طويلين لغيره،ويكمل (مهدي) في ثنايا تلك المقدمة ليقول؛( وضع هذا المخرج لنفسه مكانة عالية وعمودا مشعا في تأريخ السينما العراقية) فيما يعد الكتاب بحسب مؤلفه وجامعه بمهارة أختيار وحسن دراية وتدقيق؛(رسالة محبة إلى مخرج أعتز أنني عملت معه كمترجم في فيلمه الأخير"ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية/2013" المسرات و الأوجاع وتعرفت عليه عن قرب عاشقا كبيرا للسينما وهو الآن في الثمانين،يحلم ويحلم م أجل أن يقدم أشياء جميلة للسينما العراقية تبقى في وجدانها و ذاكرتها).

 أفلام وتأريخ منجزات

 بدأ المخرج (محمد شكري) تجربتهفي العام/ 1953 بإنتاج أفلام وثائقية لوحدة الإنتاج السينمائي في شركة نفط العراق مصوراً ومونتيراً، كما عمل في مساعدا فنيا في العديد من  الأفلام السينمائية العالمية على سبيل المثال (اصطياد الفأر) لبول روثا، وفيلم (عين الثعلب في الصحراء)،عمل أيضا في فيلم الرعب (التعويذة) والذي صوّر في مدينة الموصل  وعاد إلى العراق لكي يشارك  في عمل  الإخراج مع المخرج جرجيس يوسف حمد في فيلم (أبو هيلة) عام 1963، فيما عمل مونتيرا  في الفيلم التاريخي (نبوخذ نصر) الذي اخرجه كامل العزاوي، والذي يعد أول فيلم عراقي ب(السكوب- ملوّن).

اخرج عدداً من الافلام أهمها/ (شايف خير) عام 1968/ فيلم (الظامئون) عام 1973 والمأخوذ عن رواية الكاتب العراقي عبد الرزاق المطلبي، متناولاً موضوعة( الظمأ والعطش والقحط  والتخلف) بموجاته المسيطرة على الوضع في العراق أبان تلك الفترات القاسية في تأريخنا المعاصر، بعدها اخرج فيلمه الكبير (الأسوار) عام 1979، الذي  تناول مرحلة نضال الشعب العراقي وشرف وقوفه  مع الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي حيال تأميم قناة السويس عام/ 1956 في فترة حكم جمال عبدالناصر ،ثم اندلاع انتفاضة 1956م بالعراق، وليتوج (محمد شكري جميل) مساعي تطوّر  ملموسات تجربته من خلال أخرجه  في العام/ 1982 فيلم )المسألة الكبرى( والذي شارك بجانب الفنانين العراقيين ممثلين اجانب من ضمنهم الممثل العالمي اوليفر ريد و"المسألة الكبرى" الذي يعتبر من أضخم إنتاجات السينما العراقية، والذي يتحدث عن نضال الشعب العراقي ضد المحتل الإنكليزي والمتوجة بثورة العشرين، ثم في ذات العام قام بإخرج فيلم (المهمة مستمرة )وهو أول فيلم  يمزج فيه المخرج بين التسجيلي والروائي، توالت بعدها أفلام( الفارس والجبل) و(عروس مندلي) ثم ( مقتل الملك غازي) وصولا لفيلمه المعنون(المسرات و الاوجاع) عن رواية (فؤاد التكرلي) ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة /2013 والذي لم يرى النور حتى الآن بسبب تلكأت واحراجات حالت دو ن تحقيق حلم هذا المخرج الذي نال وحصد الجوائز تلة الاخرى ما لم ينله أي مخرج سينمائي في العراق والوطن العربي.

 الظامئون في بارس

لا يخفى على أحد من المتابعين  حجم أهمية هذا الفنان الذي يُعد  واحدا من أهم  الشخصيات الفنية العريقة في العراق والوطن العربي لما له من مكانة أمام ما قدّم من  اعمال كانت بمثابة مآثر متنوعة جسّد عبرها جوانب مهمة من  تاريخ العراق الحديث،والذي لا يكتم صراحته بالقول نصا في واحدة من تصريحاته التي تمتاز بالجرأة والعفوية  و الإتزان؛(نحن وساطة للشعب ولاسيما ان سنين العمر تمضي سراعا وما نسعى اليه هو افادتهم  من عمرنا لما نقدمه لهم من جهود مجانية)، مؤكدا في سياق آخر؛ (أن كل ما نتقاضاه لا يكفي، ولكنه يذهب للاكل والشرب لديمومة الحياة)،وأن العالم اصبح صغيرا نتيجة التطور الحاصل مثلا السطر الذي يكتب  هنا يُقرأ في طوكيو)،مذكراً بالقول ايضا؛(لابد ان نوسع المساحة حتى يكون ادراكنا ابعد والا كيف انجز فيلم الظامئون وهناك اشخاص في باريس يقفون في الطابور لمشاهدة الفيلم حتى ساعات متأخرة من الليل؟).

 كما إنه لا يتردد في قال مرة؛ (لا خير دوم... خير ولا شر دوم ردي... لان ابن ادم عمله هو جوهره وعندما نتحدث مع بعض هناك اذن تستمع وتصغي حتى تحكم عملها لتعطي نتائج حقيقية ... مو هوسه!!!) ،موضحاً -أيضا- جرأة مواقفه  أمام  معاناته مع العديد من  المسؤولين والمعنيين  طيلة مسيرة عمله الذين يتناسون مسيرته الطويلة. موضحا ان (أبـي كان امر الحرس الملكي بزمن الملك غازي وعشت في قصر الزهور حتى انجز عمل فيلم الملك غازي اضافة الى الجهد الذي بذلته مع أكثر من خمسة وثلاثين ممثلا عراقيا مع أثنين وعشرين ممثلا بريطانيا من بينهم ثلاثة حاصلين على جائزة الاوسكار).

لست جاسوساً

 وتمتد تحديات جرأته مستذكرا بالقول ؛(بعض الاشخاص الذين كتبوا بحقي انني جاسوس انكليزي بعد اخراجي لافلام تجسد الاحتلال البريطاني للعراق)،فيما-والكلام لم يزل للمخرج الكبير؛ (رشحني بورنر برذر لكي اكون مساعد مخرج في فيلم (التعويذة) عندها قالوا عني عميل امريكي وبعد ان سألوا عني اجابوهم انني اعمل في شركة النفط انجز افلام بلادنا في الخمسينات من القرن الماضي التي كان تعرض نشاطات مجلس الاعمار وما يحدث في البلد). مؤكدا ان (ما يميزني انني احفظ تراث هذه الامة واذكر الناس فيه)،ويرى محمد شكري جميل الى ان (المصريين سبقونا في الفن والاستوديو بالمجلات ولاسيما عندما كنا نذهب الى سينما غازي نجدها على الارصفة  نقوم بشرائها الى حين بدء عرض الفيلم).

  لم يكن هذا الفنّان من المخرجين الذين يعملون في تجارة الافلام السينمائية، كما لم يكرس اي فيلم من افلامه للمتعة والفرجة، فقط، ولم يدخل في ذهنه انتاج افلام لاهداف وغايات عابرة وتحديات مؤقتة، تكون بداياتها ونهاياتها الارباح وجني الاموال، كلا لم يكن كذلك، وانما هو عراقي اصيل، كرس كل مسيرته السينمائية الطويلة لاستلهام في انتاج افلام عراقية هادفة، تناولت حقبا من تاريخ ومواقع العراق، فقد اخرج للعراق ومن واقع العراق وتاريخه النضالي افلاماً عددا من افضل الافلام العراقية مثل( الاسوار) و(المسألة الكبرى)  وغيرهما كما ذكرنا الى جانب عدد من الافلام التي تشكل إنتعاشا  لافضل وأهم  مرحلة في تاريخ الإنتاج  السينمائي العراقي. على الأطلاق

 وثمة من  يتصوّر بان محمد شكري جميل قد اعطى ما عنده وانه لا يستطيع العمل في هذه الظروف الصعبة،ولكن في واقع الحال  فأن هذا المخرج العملاق كان قد تحدى تلك التصوّرات والترهات بأن قام بمغامرة فريدة عبر تبني إخراجه لفيلم (المسرات والاوجاع )ومع اهمية هذا الفيلم الذي انتج في ظروف غاية في الصعوبة والخطورة، ومع اهمية دوره في التوعية والتعريف بالواقع العراقي، وامكانية حضوره الفاعل والمؤثر في المحافل السينمائية العربية والعالمية الا ان هذا الفيلم وضع منذ انتاجه قبل سنوات في القضبان ، وكان ومايزال تحت الاجراءات الروتينية وحجج تأجيلات، ويزداد امر اطلاق صراحة تعقيداً وصعوبة، رغم وصوله الى مراحله النهائية،فهل يجوز حرمان العراق من فيلم تتوفر فيه كل مواصفات السينما العراقية الدالة على ماهو عراقي فناً وموضوعاً ؟ بهذا السؤال يختم (شكري) حيثيات ما واجه فيلم الأخير هذا من صعوبات جمة .

 

 

 

    

 

 

 

                                                  

 

 

 

   

 

 

 

رابط المحتـوى
عدد المشـاهدات 3830   تاريخ الإضافـة 20/12/2016 - 11:32   آخـر تحديـث 28/03/2024 - 16:06   رقم المحتـوى 43974
جميـع الحقوق محفوظـة
© www.Ina-Iraq.net 2015