وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
فؤاد العبودي
حين ينسج الصمت خيوطه مثل العنكبوت على أجواء مقهى ام كلثوم فان الصوت
الصادح الوحيد الذي يبدده ويعيد الى جلاس المقهى عاداتهم في تجاذب أطراف الحديث هو
صوت السيدة... وليست هذه السيدة سوى كوكب الشرق ام كلثوم وعلى الرغم من الأجيال
المختلفة التي ترتاد هذه المقهى الا ان هناك شيوخا تناساهم الزمن وابقاهم اسيري
هذه العادة التي يبدون من خلالها وهم جالسون كأصحاب الكهف لكنهم سرعان ما يستيقظون
على دير شلال ((رباعيات الخيام)) حينما يعلو على حنجرة ام كلثوم افق خفيف الظل هذا
السحر..
((نادى دع النوم وناغي الوتر)) حتى يبقى هؤلاء الشيوخ طيلة الوصلة الغنائية
يقظين مثل ديوك نائمة بعيون مفتوحة.
ومع سحر الأغاني احلامهم المتأخرة
مع العهد الجديد...
ويتذكرون شبابا ذوي عيونا طالما سهرها السهر على أنغام ارق من النسيم وأجمل
ما ادته سيدة الغناء العربي...
يتذكرون...
ويتذكرون...
ومن ثم يصطدمون بأنهم يعيشون في الالفية الثالثة للميلاد فيستذكرون ان
الضروس ما هادت في مكانها وان شعر الرأس هو أيضا قد تساقط مع هذا فان للحب بقية
عندهن تحملها اخيلتهم المسافرة بين الامس واليوم والمفعمة بحب الناس والحياة..
هنا يتجدد الامل وتصبح رغبة التعلق بالحياة على مداها بل اكبر من تساقط
الضروس وشعر الرؤوس... والأكثر من هنا يطلبون بإلحاح ما يودون سماعة:
أبا مروان يرحم والديك سمعته دليلي اختيار وأبو مروان هذا ((تحسين المياح))
هو صاحب المقهى الذي يقوم على تهيئة الأغاني من خلال مجموعة كبيرة من الأشرطة
الخاصة بأغاني ام كلثوم.. فيرد عليهم مازحا:
((يأبه وقتكم انتهى))
يستنكر الشيوخ كلام ((ابي مروان)) مؤكدين ان ام كلثوم لم تغن لجيل من دون
اخر... ويضيفون ان الروح مازالت خضرة ومن لا يحب عليه ان يتوارى ويترك المسرح
لعشاق الحياة.
يالله في السبعين وربما اكثر... ودونهم اخرون اصغر قليلا في العمر يترنمون
بأعذب ما ابدعته فريحة الشاعر الحب أحمد رامي...
وساعر الاطلال ابراهيم ناجي... ومرسي جميل عزيز... وعبد الوهاب محمد...
وبائقام سادة التلحين العربي أمثال رياض السنباطي والشيوخ زكريا وموسيقار الأجيال
محمد عبد الوهاب وعبقرية بليغ حمدي...
وتدور الحياة دورتها.... ويعيد العراق تشكيل حياته من جديد على إيقاع
الحرية والمحبة والسلام ولا ينسى الشيوخ دورهم في هذا التشكيل الفسيفسالي الجميل
من دون استثناء... حتى لو كان بالمشورة...
وهكذا اترك شيوخنا مع اغنية عودت عيني على رؤياك وانسل تاركا لهم ان يحملوا
على وهج الذكريات المتساقطة كحبات العنب في اناء العمر... |