وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
بقلم: فريد هلال ,,
تَهالَكَتِ السُّيوفُ، وارتَدَّتِ
الخُطى، وتَهَشَّمَتِ الدُّرُوعُ تَحْتَ سَنابِكِ الجِيادِ.
تَشَظَّتِ الصّفوفُ، وتَنازَعَتِ
العُيونُ ما بينَ الرَّهبةِ والرَّجاء...
كَبُرَتِ الصَّيْحاتُ، لا نَصْرَ في
الأُفُقِ، ولا مَجْدَ في الانتِظارِ،
وكانَ الوَقْتُ ضَيِّقًا، والقلوبُ
مُثقلةٌ بالصَّمتِ الذي يَسبقُ العاصفةَ.
وحينَ هُزِمَتِ الوُجوهُ، وانْخَفَضَتِ
الهاماتُ، وتَلاشى ظِلُّ القادةِ الكِبار،
صاحَ سيِّدُ الحَقِّ نداءً لا يُخطئُ
مَقصَدَه:
"نادُوا لِيَ الكرّارَ!"
تَجَمَّدَ الزَّمَنُ، وتَوَقَّفَتِ
الأنفاسُ، وارْتَفَعَتْ رُؤوسُ الرِّجالِ كُلُّها...
لَيْتَهُ يُنادِيني، قالَ كُلُّ واحِدٍ
في سِرِّهِ.
لكنَّ الكرّارَ لا يُختارُ بالرَّجاءِ،
ولا يُبْعَثُ بالمُصادَفَة،
الكرّارُ يُعْرَفُ حينَ تَصْمُتُ
الألسِنةُ، وتَتَكَلَّمُ القُلوبُ.
فَإِذا بالغُبارِ يَنْجَلِي عن وَجْهٍ
لا يَعْرِفُ الفِرارَ،
وإذا بالدَّهْرِ يَنْطِقُ:
"عَلِيٌّ قَدْ جاءَ!"
لكنهُ ليسَ عليًّا فحسب، إنَّهُ
الرَّمزُ، الرُّوحُ، والمَدى...
هو كُلُّ من يحملُ في صَدْرِه
عَزِيمَةَ الكرّارِ، ويَمْشِي إلى النّارِ كأنَّهُ يُصافِحُها.
لَمْ يَحْمِلْ سَيْفَهُ لِيَنْجُوَ،
بَلْ لِيُنْقِذَ.
لَمْ يَتَقَدَّمْ طَلَبًا لِلْخُلُودِ،
بَلْ وَفاءً لِلْعَهْدِ.
في يَمينِهِ ذُو الفَقارِ، وفي
عَيْنَيْهِ سُكونُ مَنْ يَعْرِفُ مصيرَه،
وفي صَدْرِهِ عَزِيمَةٌ لا تُقْهَرُ،
تُوقِظُ الخَيْلَ وتَصْقُلُ الرّعْدَ.
أنا الكرّارُ... لا أَنْثَني ولا
أَلُوذُ،
أنا مَنْ إذا اشتدَّ الوَغى،
تَبَسَّمْتُ لِلْمَنُونِ،
أنا الَّذي عَرَفَتْهُ السَّاحاتُ،
وارْتَعَدَتْ مِنْ وُقُوفِيَ الجُمُوعُ،
وأنا الذي لا أقولُ
"ارحَموني"، بل "ثَبِّتوني"،
فَلا تَقولوا لِي:
"احْذَرْ"،
قولوا: "افْسَحُوا لَهُ
الطَّرِيقَ." |