وكالة الأنباء العراقية المستقلة بغداد ,,
بقلم: فريد هلال ,,
ليس اللطم الحسيني مجرّد طقس عاطفي،
ولا هتافًا يتردّد في أزقة المواكب...
إنّه عزفٌ جماعيّ يؤدّيه الجسد حين
تعجز الآلات عن التعبير، وتخرس الأوتار أمام نداء الدم الطاهر.
في كلّ ضربةٍ على الصدر، نَغمة لا
يسمعها إلّا من وُلد على حبّ الحسين.
وفي انتظام الصفوف، ورفع الأيدي،
وارتداد الأكفّ على الصدور...
تتناغم الأرواح كما تتناغم نوتات
السمفونيات الكبرى.
ليس هناك مايسترو يُلوّح بعصاه...
لكنَّ صوت الرادود هو القائد، وصدى
الجماهير هو اللحن.
تبدأ القصيدة بنداء:
(وين المنادي لحسين؟)
فيرتجّ الهواء... وتنبض الأرضُ على
إيقاع النداء.
اللطم ليس ألمًا يُستعرض...
بل شهادةُ ولاء تُوقَّع بالجسد، وتُطبع
في ذاكرة السماء.
الرادود يُنشد...
والجموع تُجيب بالأكف، كما لو أن
الصدور تُكمل القصيدة.
وهنا يتحوّل الموكب إلى ما يُشبه جوقة
عسكرية روحية،
لا تحمل سلاحًا... بل تحمله الغيرة،
والدمعة، والولاء.
كلّ لطمٍ إيقاع...
وكلّ نَفَسٍ نَغمة...
وكلّ دمعةٍ مقامٌ لا يُعزف على أي وترٍ
إلا في محراب كربلاء.
إنه "المقام الحسيني" حيث
تتقاطع القصيدة بالصوت، والصوت بالحركة، والحركة بالدمعة...
فلا تعود الجماعة فرادى، بل روحًا
واحدة تردّد: لبيك يا حسين.
هذا هو اللطم...
عزفٌ لا يُدرَّس في معاهد الموسيقى،
لكنه محفوظ في قلوب العاشقين. |