وكالة الانباء العراقية المستقلة : لمعان عبدالرحمن
عرف البغداديون القدماء حرفاً وأعمالا شعبية وأشخاصا مارسوها ، منهم (أبو صندوك ـ صندوق ـ الولايات) و (أبو الفرارات و (الفوال) و...و... فكل هذه الحرف مورست قديما وفقدت الكثير من خصائصها في خضم العلاقات الجديدة والتطور النوعي الذي شمل كل مرافق الحياة.
وقد اختفى شخوصها مع التقدم الذي حل محل الحرف والعادات المندثرة وكذلك ظهور السينما والتلفزيون والملاهي والمسارح والمتنزهات فكل ذلك ساعد في اختفاء بعضها .
وقد اخترنا من شخوص تلك الحرف والاعمال ، ( ابو صندوك الولايات ) الذي كان يردد :
شوف عندك ياسلام بصبص بعينك تمام
شوف هاي وشوف ذيج شوف الدجاجة والديج
حيث يدور (أبو صندوك الولايات) في الأزقة والشوارع والمحلات مناديا (صندوك الولايات..صندوك الولايات) . وحين يتجمع الصغار حوله ويأخذ منهم أجرته مقدما يرفع الستارة بوساطة خيط مثبت في أعلى الصندوك فيشرع بعرض تصاويره وهو يشرف عليها بين الفينة والأخرى من خلال ثقب صغير أعلى الصندوك معلقا على كل صورة تمر أمام المشاهدين بألفاظ مسجوعة مرددا بين حين وآخر طشوف عندك ياسلام.. بصبص بعينك تمام".
إن أكثر الصور التي كان يعرضها تمثل عنترة بن شداد وأبا زيد الهلالي والزير سلم وبعض المدن المعروفة كمكة المكرمة والمدينة المنورة واستانبول وبعض المغنيات المشهورات. ويتكون صندوق الولايات من صندوق خشبي مستطيل الشكل متوسط الحجم، ذي واجهة مزخرفة بقطع من المرايا ومصبوغة بألوان زاهية جذابه وفيها ثلاثة او أربعة ثقوب مستديرة مزججة بعدسات مكبرة ينظر من خلالها الأطفال والصبيان الى الصور المعروضة في داخله وفي طرفيه لولبان عموديان رأساهما ظاهران من الاعلى وقد ربطت بها قطعة من القماش السميك عرضها عرض واجهة الصندوق وعليها لصقت صور مختلفة.. فإذا أدار صاحب الصندوك اللولب الايمن مثلا (التفت التصاوير عليه بعد مرورها من أمام الفتحات المستديرة ومشاهدتها من قبل المتفرجين، وإذا اراد عرض تصاويره مرة أخرى ادار اللولب الفارغ الأيسر... وهكذا.
وعند انتهاء التفرج يهز بيده الجرس "أبو اليده" عدة مرات ويسدل الستارة على الثقوب ليحجب الرؤية عن المشاهدين معلنا نهاية العرض الذي تسمح به أجورهم، ومن أراد أن يجدد الفرجة يكن ملزما بدفع الأجرة مرة أخرى وكانت لا تتعدى العانة الواحدة التي هي ذات وزن نقدي كبير عند البغداديين القدامى في ذلك الوقت.
وأكثر الأطفال البغداديين القدامى كانوا يترنمون بكلمات أبي صندوق الولايات المعسولة تلك الكلمات التي حفظوها عن ظهر قلب:
شوف عندك ياسلام بصبص بعينك تمام
شوف عندك بدريه أم عيون العسلية
كحلتها نص اوكيه انظر أم الترجية
هاي رحلو السوريه شوف عندك ياسلام
فقلوب الأطفال كانت تتسارع بضرباتها ، أنفاسهم تنحبس من شدة المعركة مع عنترة وأعدائه وهو يسقطهم بسيفه الأبتر واحدا تلو الآخر.. وشيبوب فرحا بانتصار عنترة، وصاحب الصندوق يعلق ويقول:
شوف عندك ياسلام بصبص بعينك تمام
شوف عندك عنتر راكب حصانه الاشكر
وشايل هالسيف الابتر يدور على عبله ويفتر
وكان أبو صندوك الولايات يحمل دائما صندوقه على ظهره بحمالين من جلد مثبتتين على جهتيه بحيث يمرر كل يد خلال أحدها ليستقر (الصندوك) على ظهره ثم يحمل بإحدى يديه مسطبة صغيرة طولها طول الصندوق نفسه، وترتفع عن الأرض نحو قدمين ليجلس عليه الصغار عند التفرج على مايعرض عليهم من مناظر، وأيضا يحمل معه كرسيا خشبيا مسطويا على نفسه ليضع عليه صندوك الولايات في أثناء العمل.
رابط المحتـوى
http://www.ina-iraq.net/content.php?id=13756
عدد المشـاهدات 866 تاريخ الإضافـة 08/01/2015 - 14:01 آخـر تحديـث 24/12/2024 - 21:16 رقم المحتـوى 13756