وكالة الأنباء العراقية المستقلة متابعة ,,
محمد الرفاعي:
مات خمس مرات. وفي المرة السادسة، خلع قلبه ورماه، اقتلع عينيه وأودعهما
النهر خلع ملابسه ووقف عاريا على حافة النهر.. لم يعد يشعر بالبرد.. لم يهزمه
الخجل للمرة الأولى في حياته.. تأمل العربات والوجوه المصلوبة فوق الاسفلت.. بدأ
يقطع أطرافه ويلقيها في منتصف الشارع، فتخاطفتها الكلاب التي صارت لها وجوها ناعمة،
وشعورا طويلة مسدلة.. الغريب.. انه لم يحس بالألم.. ظل يضحك بصوت عال.. لم ينظر
أحد اليه.
عندما نامت الشمس البرتقالة على جسد النهر، كان كل شيء قد انتهى، ولم يعد
باقيا منه غير الرأس فقط، تدحرج بين العربات المسرعة، وعاد الى تابوته الليلي
البارد. في البداية.. لم يعرف كيف يواجه أيامه المقبلة، وهو بهذا الشكل.. هل مات
ولد مرة أخرى؟! لكنه اكتشف في اللحظة الأولى للمواجهة انه قد استراح، تساوي الليل والنهار..
الصيف والشتاء.. الصراخ والسكون.. الألم والفرح.. بل ان تلك الكلمات صارت بلا معنى
بالنسبة له، أبجدية لا يمتلك أحرفها. قفز الى السرير الذي بدأ مساحته من الرمال معلقة
في فضاء لا نهائي.. كانت قفزته قوية فاصدم بالجدار، ثم قبع أو كمن أو سكن في نفس
النقطة التي سقط فيها، لا شيء يقطع هذا الصمت غير دقات الساعة الكبيرة المعلقة على
الجدار المقابل. دقات منتظمة متصاعدة.. تتدحرج مثله عبر الليل. بعد فترة لم يستطع
تحديد مداها.. سمع أصواتا متداخلة، أدرك أن الحياة قد بدأت في ذلك الشارع، الذي ظل
لسنوات طويلة مغروسا في عقله، مرسوما على صباحاته الطويلة القاتلة، تدحرج مرتين
حتى وصل الى حافة السرير بحكم العادة، لكنه في اللحظة التي هم فيها بالقفز على
الأرض تراجع.. الى أين يذهب؟! وماذا سيفعل بين تلك الملامح الثعلبية التي تقطر
انيابها دما.. فلم تعد لديه رغبة في أي شيء. ولم يعد يحتاج لشيء، تدحرج مرة أخرى
الى مكانه واستراح. دقات الساعة تتصاعد، وهو يشعر ان اهتزازاته بدأت تقل، الأصوات
تتصاعد وتختفي ثم تتصاعد مرة أخرى.. وتختفي دقات الساعة تتصاعد.. والرأس تنكمش وتنكمش..
حتى تلاشت تماما.. وما زالت دقات الساعة تتصاعد. |