وكالة الأنباء العراقية المستقلة متابعة ,,,
تحقيق: مدحت السباعي
((لقد قمنا بعشرات الرحلات داخل الصحاري والواحات،
وقطعنا مئات الكيلومترات بين الوديان وفوق الجبال بحثا عن المادة الفنية التي نسعى
لتسجيلها وتصويرها.. ومثل هذه الرحلات تتطلب إمكانية خاصة في النقل والمواصلات
ولكن الإمكانيات التي توفرت لدينا كانت عبارة عن عربة ميكروباس قديمة وعربة أخرى
((تاكسي)) كانت تتعطل بين لحظة وأخرى، وهذه العربة لم تتحمل بطبيعة حالها مشاق الرحلة،
وكادت أن تهوي بنا من فوق جبال صعيد مصر أكثر من مرة))!
كانت هذه كلمات راقصة البالية الأولى في مصر ماجدة صالح تصف فيها الظروف
الصعبة التي واجهتها هي مجموعة السينمائيين الشبان الذين حملوا كاميراتهم وآلاتهم
وانطلقوا على طول أرض مصر يصورون ويسجلون بالصوت والصورة الرقص الشعيبي في مختلف
البيئات المصرية والذي يشمل نوعيات مختلفة من الرقصات التي صورت في أماكنها ال
طبيعة بأداء أبناء البيئة الأصليين.. وسوف يكون هذا الفيلم – واسمه ((أشواق
الأهالي)) – جزءا من الرسالة العلمية التي تعدها الباليرينا ((ماجدة صلح)) لتقدم
بها الى جامعة نيويورك للحصول على درجة الدكتوراه. ويدور موضوع الرسالة حول تقاليد
الرقصات الشعبية الموجودة في مختلف البيئات المصرية ذات الطابع الثقافي الفني
المميز.. وأهمية هذه الرسالة ترجع الى انها اول رسالة علمية من نوعها في مصر حول
هذا الموضوع ولأنها أيضا لا تعتمد على البحث النظري فقط بل تشمل تسجيلا سينمائيا لعشرات
الرقصات الشعبية التي يؤديها أبناء مصر من جنوب اسوان وحتى صحراء مرسى مطروح.
والتاريخ يقول اننا من أوائل الشعوب التي عرفت فن الرقص على وجه الأرض. فهناك
على جدران المعابد الفرعونية لوحات عديدة تؤكد هذا الراي وتظهر فيها النساء الفرعونيات
وهن يرقصن في مختلف المناسبات.. والرقص في الماضي السحيق لم يكن لمجرد اللهو والتسلية
بل كان أيضا لونا من ألوان العبادة والتقرب الى الآلهة. وفي مصر حاليا توجد عشرات
من فرق الفنون الشعبية الراقصة كفرقة رضا والفرقة القومية والفرق التي تنشأ في
المحافظات كفرقة البحيرة وفرقة الغربية وفرقة اسوان.. الخ هذا بالإضافة الى الفرق التي
يكونها طلبة وطالبات الجامعات والمعاهد العليا والمدارس الثانوية، وكل هذه الفرق
تستقي مادتها من الفنية من رقصات شعبية تقدم من مختلف البيئات المصرية التي تتميز بطابع
فني خاص والتي يقدمها الأهالي في مناسبات عديدة حيث تكون لكل مناسبة رقصتها
المميزة التي تختلف في الشكل والطابع عن رقصات المناسبات الأخرى.
وانتشرت حكاية الرقص الشعبي وازداد الاقبال الجماهيري على هذا اللون من
الفنون حتى أصبح أيضا موضة بالنسبة للراقصات المحترفات اللاتي يعملن في الملاهي الليلية،
فقد راحت كل واحدة منهن تقدم في الكباريه الذي تعمل به فقرة راقصة نراها فيه تتلوى
و ((تتقصع)) ومن خلفها نرى مجموعة من الشبان يمسكون بأيديهم العصي والمزمار
والربابة ويقفزون ذات اليمين وذات اليسار ويشاركونها فيما يسمى بالتابلوه الشعبي..
و الراقصة أحيانا تمسك بيدها ((قلة)) , واحيانا نراها ترقص و تمسك ((زير)) وفي
رقصة ثالثة تمسك ((بلاص)) وانتشرت موضة البلاص.
·
حركة عالمية للدراسة
ودراسة الرقص الشعبي لا يجب ان نأخذها على
انها مضيعة للوقت او نوع من أنواع الرفاهية الفنية، فدراسة هذا اللون من التراث الفني
تعطينا صورة واضحة وحقيقية لعادات الشعوب وتقاليد الحياة في المجتمعات الإنسانية في
مختلف المناسبات كالزرع والحصاد والفرح والصيد.. الخ
ولسنا أول من يحمل هذه الدعوة فهناك حركة
عالمية يقوم بها عدد كبير من علماء الانثروبولوجي – علم أصول الاجناس والحضارات –
هدفها تسجيل ودراسة مختلف الفنون والثقافات الشعبية الاصيلة كالرقص الموسيقي
والغناء، مع التركيز على الرقص باعتباره فنا عالمي الطابع يعتمد على التعبير
الحركي الذي يستوعبه ويعيه كل انسان على وجه الأرض مهما اختلفت جنسيته وقد أجري هؤلاء
العلماء دراساتهم على فنون الجماعات البيئية ذات الثقافات المميزة كقبائل الهنود
الحمر وقبائل وسط افريقيا و استراليا و الهند و اليابان و اسبانيا .. وهم يجمعون
مادتهم الخام من الفنان البدائي الفطري ثم يقومون بعد ذلك بتحليل هذه الفنون ودراستها
لمعرفة أصول نشأتها ومراحل تطورها.. وهؤلاء العلماء يسجلون بالصوت و الصورة الفنون
الشعبية التي تمارسها كل بيئة وذلك بهدف الاندثار و الذوبان وسط طوفان التقدم
العلمي و التكتلوجي .
فالثورات الصناعية الهائلة قضت على السمات
الحضارية الخاصة التي كانت تميز كل بيئة عن الأخرى، وتشابهت الحياة في المدن والمناطق
الصناعية الكبرى في الشكل والطابع فاختفت الاصالة واختفى الطابع الخاص بكل بيئة والذي
كان يصبغ فنونها بلونه المميز.
·
ماجدة.. من هي!
الفنانة ماجدة صالح راقصة باليه مصر الأولى،
هي أول من اهتمت بتسجيل الرقصات الشعبية المصرية في شكل دراسة علمية منظمة تعدها
حاليا لتحصل بها على درجة الدكتوراه من جامعة نيويورك.. ولقد كانت ماجدة صالح ضمن
أول دفعة تلتحق بمعهد الباليه المصري عام 1958 وتخرجت منه في عام 1966 بتقدير
امتياز وكانت الأولى على دفعتها ثم انظمت بعد ذلك الى فرقة الباليه المصرية وظلت
هي راقصة الفرقة الأولى ثم تركت الرقص وتركت التدريس وتفرغت لأبحاثها ودراستها حول
الرقص الشعبي في مصر
وقد حصلت ماجدة في عام 1965على دبلوم
اكاديمية البولوشوي للباليه من موسكو بامتياز وفي عام 1968 حصلت على ليسىانس
الآداب في قسم اللغة الإنجليزية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
وفيي عام 1974 حصلت على الماجستير في تكنيك واخراج
الرقص الحديث من جامعة كاليفورنيا بلوس انجلوس. وفي هذا العام أيضا اختيرت عضوة في
لجنة تحكيم مسابقة البالية الدولية التي أقيمت في بلغاريا.
وفي العام الماضي اختارت هيئة المسرح العالمي
التابع لليونسكو الباليرينا ماجدة صالح لتكون ممثلة لفن الرقص في مصر
·
أشواق الأهالي
((اشواق
الأهالي)) فيلم فريد في نوعيته وجديد على السينما المصرية فهو عبارة عن سجل
بالصورة والصوت للتراث الحركي في مختلف البيئات المصرية، ويشمل نوعيات مختلفة من
الرقصات الشعبية.. وقد شاركت ماجدو صالح في تقديم هذا الفلم، مجموعة من السينمائيين
الشبان وهم المخرج الشاب إبراهيم الموجي و مدير التصور محسن نصر و مهندس الصوت
مجدي كامل و المونتيرة رحمة منتصر و جميعهم من خريجي المعهد العالي للسينما .. وقد
انتج هذ الفيلم تحت اشراف إدارة الإنتاج العالمي بهيئة السينما التي يديرها المخرج
خليل شوقي، وتم تصويره في الفترة ما بين نوفمبر 1975 و فبراير 1976 , وبعد ذلك
عكفت المونتيرة ((رحمة منتصر)) على عملية تنظيم و ترتيب الاف اللقطات التي صورها
هؤلاء الفنانون و المعروف ان مونتاج هذه الأفلام يأخذ مجهودا ضخما لا يقل عن
المجهود الذي بذل اثناء التصوير .
وبعد ان ظهر الفيلم في شكله النهائي لم يصدق أحد
ممن رؤه انه تكلف 19 ألف جنيه، وهو مبلغ زهيد جدا إذا ما قارناه بالقيمة الفنية
التي أصبح عليها الفيلم، والطريف ان هيئة السينما كانت قد رصدت لهذا الفيلم ميزانية
مبدئية قدرها 30الف جنيه وتوقع المسؤولون بالهيئة ان يتجاوز الفيلم هذه الميزانية ولكن
حدث العكس واثبت هؤلاء الشبان انهم حريصون على أموال الهيئة والقطاع العام السينمائي. |